رؤية على اتجاهات السوق، فجوات الوصول، وتحول أدوات التمويل
بينما تمضي المملكة بخطى واثقة نحو تحقيق مستهدفات رؤية 2030، يواصل مشهد تمويل الأعمال في السعودية توسعه، سواء من حيث الحجم والتعقيد، في انعكاس مباشر لحيوية الاقتصاد وتسارع وتيرة النشاط التجاري.
ووفقًا لبيانات صادرة عن البنك المركزي السعودي "ساما" ومراكز أبحاث مالية، بلغ إجمالي التمويل المصرفي 3.126 ترليون ريال سعودي بنهاية ابريل 2025، مسجلًا ارتفاعًا سنويًا بنسبة 16.5%، في دلالة واضحة على استمرار الزخم الاقتصادي، وثقة السوق المتزايدة في بيئة الأعمال.
تمويل الشركات يدفع عجلة النمو
كان لـ تمويل الشركات، لاسيما في مجال القروض المؤسسية، دور محوري في تسريع هذا النمو، إذ أصبحت القروض التجارية بالجملة تمثل نسبة كبيرة من محافظ البنوك، وتمتد لتغطي قطاعات حيوية مثل البنية التحتية، والتنمية الصناعية، والخدمات اللوجستية، والتجارة الكبرى.
وعند التعمق في تفاصيل هذا التمويل، تتضح ملامح تطور في بنية القروض، إذ أصبحت القروض طويلة الأجل (اكثر من ثلاث سنوات) تشكل ما يقارب نصف إجمالي التمويل الممنوح، في مؤشر قوي على ثقة الشركات في المدى البعيد.
في المقابل، لا تزال القروض قصيرة ومتوسطة الأجل تمثّل أكثر من 50% من إجمالي التمويل، ما يعكس الحاجة المستمرة لتغطية النفقات الأساسية ومتطلبات التشغيل اليومية، خصوصًا لدى المنشآت الصغيرة والمتوسطة.
هذا التوازن بين التمويل بعيد المدى ومتطلبات التشغيل اليومية، يفرض واقعًا تمويليًا جديدًا، يتطلب استجابات أسرع وأكثر تكيفًا مع احتياجات السوق.
وفرة السيولة لا تعني سهولة الوصول
رغم المؤشرات الايجابية، لا يزال الوصول الى التمويل غير متكافئ. فشريحة واسعة من الموردين متوسطي الحجم، ومقدمي الخدمات، والمستوردين يواجهون تأخيرات متكررة في تأمين رأس المال العامل، ليس بسبب قلة الطلب، بل لأن القنوات التقليدية تعمل وفق إجراءات طويلة ومتطلبات جامدة.
التمويل المرن: من ميزة الى ضرورة
في سوق سريع التقلّب، لم تعد القوة المالية وحدها كافية. أصبحت المرونة في أدوات التمويل عاملًا حاسمًا لضمان استمرارية التشغيل وتلبية الالتزامات التشغيلية اليومية. سواء كان الموزع بحاجة الى شروط دفع أسرع لمواكبة ارتفاع الطلب، أو كان المقاول يواجه تحديات في إدارة السيولة بين موردين متعددين، فإن حلول التمويل قصيرة الأجل لم تعد خيارًا جانبيًا، بل مطلبًا تشغيليًا أساسيًا. وفي ظل هذا التحول، لا يكفي توفر التمويل فحسب، بل يجب أن يُقدم بالصيغة المناسبة في الوقت المناسب وبشروط تمكن النشاط لا أن تقيده.
من التمويل الى التمكين
لم يعد تمويل الشركات يقاس بالحجم فقط، بل بسرعة الاستجابة، ومرونة أدوات التمويل، ومدى ملاءمتها مع واقع الأعمال الحديث. اليوم تحتاج الشركات السعودية خاصة القطاعات الحيوية، الى حلول تمويل ذكية تواكب ايقاع السوق وتدعم النمو التجاري دون تعقيد.
في عاجل نرصد هذه التحولات عن كثب، ونعمل على تطوير حلول تتجاوز المفهوم التقليدي للتمويل، لتكون شراكة تمكينية حقيقية تدعم استدامة النشاط، وثقة القرار، وسرعة التنفيذ.